فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثالثة:
هل يجوز غير ذلك؟ نقول نعم يجوز أن يكون قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ} عطفًا على {بِحُورٍ عِينٍ} [الطور: 20] تقديره: زوجناهم بحور عين، أي قرناهم بهن، وبالذين آمنوا، إشارة إلى قوله تعالى: {إِخْوَانًا على سُرُرٍ متقابلين} [الحجر: 47] أي جمعنا شملهم بالأزواج والإخوان والأولاد بقوله تعالى: {وأتبعناهم} وهذا الوجه ذكره الزمخشري والأول أحسن وأصح، فإن قيل كيف يصح على هذا الوجه الإخبار بلفظ الماضي مع أنه سبحانه وتعالى بعد ما قرن بينهم؟ قلنا صح في وزوجناهم على ما ذكر الله تعالى من تزويجهن منا من يوم خلقهن وإن تأخر زمان الاقتران.
المسألة الرابعة:
قرئ {ذرياتهم} في الموضعين بالجمع وذريتهم فيهما بالفرد، وقرئ في الأول {ذرياتهم} وفي الثانية {ذُرّيَّتُهُم} فهل للثالث وجه؟ نقول نعم معنوي لا لفظي وذلك لأن المؤمن تتبعه ذرياته في الإيمان، وإن لم توجد على معنى أنه لو وجد له ألف ولد لكانوا أتباعه في الإيمان حكمًا، وأما الإلحاق فلا يكون حكمًا إنما هو حقيقة وذلك في الموجود فالتابع أكثر من الملحوق فجمع في الأول وأفرد الثاني.
المسألة الخامسة:
ما الفائدة في تنكير الإيمان في قوله: {وأتبعناهم ذُرياتهم بِإيمان}؟ نقول هو إما التخصيص أو التنكير كأنه يقول: أتبعناهم ذرياتهم بإيمان مخلص كامل أو يقول أتبعناهم بإيمان ما أي شيء منه فإن الإيمان كاملًا لا يوجد في الولد بدليل أن من له ولد صغير حكم بإيمانه فإذا بلغ وصرّح بالكفر وأنكر التبعية قيل بأنه لا يكون مرتدًا وتبين بقول إنه لم يتبع وقيل بأنه يكون مرتدًا لأنه كفر بعد ما حكم بإيمانه كالمسلم الأصلي فإذن بهذا الخلاف تبين أن إيمانه يقوى وهذان الوجهان ذكرهما الزمخشري، ويحتمل أن يكون المراد غير هذا وهو أن يكون التنوين للعوض عن المضاف إليه كما في قوله تعالى: {بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [البقرة: 251] وقوله تعالى: {وَكُلًا وَعَدَ الله الحسنى} [النساء: 95] وبيانه هو أن التقدير أتبعناهم ذرياتهم بإيمان أي بسبب إيمانهم لأن الاتباع ليس بإيمان كيف كان وممن كان، وإنما هو إيمان الآباء لكن الإضافة تنبىء عن تقييد وعدم كون الإيمان إيمانًا على الإطلاق، فإن قول القائل ماء الشجر وماء الرمان يصح وإطلاق اسم الماء من غير إضافة لا يصح فقوله: {بإيمان} يوهم أنه إيمان مضاف إليهم، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إيمانهم لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85] حيث أثبت الإيمان المضاف ولم يكن إيمانًا، فقطع الإضافة مع إرادتها ليعلم أنه إيمان صحيح وعوض التنوين ليعلم أنه لا يوجب الأمان في الدنيا إلا إيمان الآباء وهذا وجه حسن.
ثم قال تعالى: {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} قال الواحدي: هذا عود إلى ذكر أهل النار فإنهم مرتهنون في النار، وأما المؤمن فلا يكون مرتهنًا قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أصحاب اليمين} [المدثر: 38، 39] وهو قول مجاهد وقال الزمخشري {كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ} عام في كل أحد مرهون عند الله بالكسب فإن كسب خيرًا فك رقبته وإلا أربق بالرهن والذي يظهر منه أنه عام في حق كل أحد، وفي الآية وجه آخر وهو أن يكون الرهين فعيلًا بمعنى الفاعل، فيكون المعنى، والله أعلم كل امرىء بما كسب راهن أي دائم، إن أحسن ففي الجنة مؤبدًا، وإن أساء ففي النار مخلدًا، وقد ذكرنا أن في الدنيا دوام الأعمال بدوام الأعيان فإن العرض لا يبقى إلا في جوهر ولا يوجد إلا فيه، وفي الآخرة دوام الأعيان بدوام الأعمال فإن الله يبقي أعمالهم لكونها عند الله تعالى من الباقيات الصالحات وما عند الله باق والباقي يبقى مع عامله.
{وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (22)} أي زدناهم مأكولًا ومشروبًا، أما المأكول فالفاكهة واللحم، وأما المشروب فالكأس الذي يتنازعون فيها، وفي تفسيرها لطائف:
اللطيفة الأولى: لما قال: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذرياتهم} [الطور: 21] بين الزيادة ليكون ذلك جاريًا على عادة الملوك في الدنيا إذا زادوا في حق عبد من عبيدهم يزيدون في أقدار أخبازهم وأقطاعهم، واختار من المأكول أرفع الأنواع وهو الفاكهة واللحم فإنهما طعام المتنعمين، وجمع أوصافًا حسنة في قوله: {مما يشتهون}، لأنه لو ذكر نوعًا فربما يكون ذلك النوع غير مشتهى عند بعض الناس فقال كل أحد يعطى ما يشتهي، فإن قيل الاشتهاء كالجوع وفيه نوع ألم، نقول ليس كذلك، بل الاشتهاء به اللذة والله تعالى لا يتركه في الاشتهاء بدون المشتهي حتى يتألم، بل المشتهي حاصل مع الشهوة والإنسان في الدنيا لا يتألم إلا بأحد أمرين، إما باشتهاء صادق وعجزه عن الوصول إلى المشتهي، وإما بحصول أنواع الأطعمة والأشربة عنده وسقوط شهوته وكلاهما منتف في الآخرة.
اللطيفة الثانية: لما قال: {وَمَا ألتناهم} ونفي النقصان يصدق بحصول المساوي، فقال ليس عدم النقصان بالاقتصار على المساوي، بطريق آخر وهو الزيادة والإمداد، فإن قيل أكثر الله من ذكر الأكل والشرب، وبعض العارفين يقولون لخاصة الله بالله شغل شاغل عن الأكل والشرب وكل ما سوى الله، نقول هذا على العمل، ولهذا قال تعالى: {جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الواقعة: 24] وقال: {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور: 16] وأما على العلم بذلك فذلك، ولهذا قال: {لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ سَلاَمٌ قولا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} [ياس: 57، 58] أي للنفوس ما تتفكه به، للأرواح ما تتمناه من القربة والزلفى.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ (23)}.
وقوله تعالى: {يتنازعون فِيهَا كَأْسًا} فيكون ذلك على عادة الملوك إذا جلسوا في مجالسهم للشرب يدخل عليهم بفواكه ولحوم وهم على الشرب، وقوله تعالى: {يتنازعون} أي يتعاطون ويحتمل أن يقال التنازع التجاذب وحينئذ يكون تجاذبهم تجاذب ملاعبة لا تجاذب منازعة، وفيه نوع لذة وهو بيان ما هو عليه حال الشراب في الدنيا فإنهم يتفاخرون بكثرة الشرب ولا يتفاخرون بكثرة الأكل، ولهذا إذا شرب أحدهم يرى الآخر واجبًا أن يشرب مثل ما شربه حريفه ولا يرى واجبًا أن يأكل مثل ما أكل نديمه وجليسه.
وقوله تعالى: {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ} وسواء قلنا {فِيهَا} عائدة إلى الجنة أو إلى الكأس فذكرهما لجريان ذكر الشراب وحكايته على ما في الدنيا، فقال تعالى ليس في الشرب في الآخرة كل ما فيه في الدنيا من اللغو بسبب زوال العقل ومن التأثيم الذي بسبب نهوض الشهوة والغضب عند وفور العقل والفهم، وفيه وجه ثالث، وهو أن يقال لا يعتريه كما يعتري الشارب بالشرب في الدنيا فلا يؤثم أي لا ينسب إلى إثم، وفيه وجه رابع، وهو أن يكون المراد من التأثيم السكر، وحينئذ يكون فيه ترتيب حسن وذلك لأن من الناس من يسكر ويكون رزين العقل عديم اعتياد العربدة فيسكن وينام ولا يؤذي ولا يتأذى ولا يهذي ولا يسمع إلى من هذى، ومنهم من يعربد فقال: {لاَّ لَغْوٌ فِيهَا}.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (24)} أي بالكؤوس وقال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ولدان مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} [الواقعة: 17، 18] وقوله: {لَهُمْ} أي ملكهم إعلامًا لهم بقدرتهم على التصرف فيهم بالأمر والنهي والاستخدام وهذا هو المشهور ويحتمل وجهًا آخر وهو أنه تعالى لما بيّن امتياز خمر الآخرة عن خمر الدنيا بين امتياز غلمان الآخرة عن غلمان الدنيا، فإن الغلمان في الدنيا إذا طافوا على السادة الملوك يطوفون عليهم لحظ أنفسهم إما لتوقع النفع أو لتوفر الصفح، وأما في الآخرة فطوفهم عليهم متمخض لهم ولنفعهم ولا حاجة لهم إليهم والغلام الذي هذا شأنه له مزية على غيره وربما يبلغ درجة الأولاد.
وقوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ} أي في الصفاء، و{مَّكْنُونٌ} ليفيد زيادة في صفاء ألوانهم أو لبيان أنهم كالمخدرات لا بروز لهم ولا خروج من عندهم فهم في أكنافهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ}.
لما ذكر حال الكفار ذكر حال المؤمنين أيضًا {فَاكِهِينَ} أي ذوي فاكهة كثيرة؛ يقال: رجل فاكه أي ذو فاكهة، كما يقال: لابِنٌ وتامِرٌ؛ أي ذو لبن وتمر؛ قال:
وغَرَرْتَنِي وزعمتَ أَن ** كَ لابِنٌ بالصَّيْفِ تَامِرْ

أي ذو لبن وتمر.
وقرأ الحسن وغيره: {فَكِهِينَ} بغير ألف ومعناه معجبين ناعمين في قول ابن عباس وغيره؛ يقال: فَكِه الرجلُ بالكسر فهو فِكهٌ إذا كان طيّب النفس مزاحًا.
والفكه أيضًا الأشِر البِطر.
وقد مضى في (الدخان) القول في هذا.
{بِمَآ آتَاهُمْ} أي أعطاهم {رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الجحيم}.
{كُلُواْ واشربوا} أي يقال لهم ذلك.
{هَنِيئًَا} الهنيء ما لا تنغيص فيه ولا نكد ولا كدر.
قال الزجاج: أي ليهنئكم ما صرتم إليه {هَنِيئًا}.
وقيل: أي مُتِّعتم بنعيم الجنة إمتاعًا هنيئًا.
وقيل: أي كلوا واشربوا هنئتم {هَنِيئًا} فهو صفة في موضع المصدر.
وقيل: {هَنِيئًا} أي حلالًا.
وقيل: لا أذى فيه ولا غائلة.
وقيل: {هَنِيئًا} أي لا تموتون؛ فإن ما لا يبقى أو لا يبقى الإنسان معه منغص غير هنيء.
قوله تعالى: {مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ} سُرُر جمع سرير وفي الكلام حذف تقديره: متكئين على نمارق سرر.
{مَّصْفُوفَةٍ} قال ابن الأعرابي: أي موصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفًّا.
وفي الأخبار أنها تصفّ في السماء بطول كذا وكذا؛ فإذا أراد العبد أن يجلس عليها تواضعت له، فإذا جلس عليها عادت إلى حالها.
قال ابن عباس: هي سرر من ذهب مكلّلة بالزبرجد والدر والياقوت، والسرير ما بين مكة وأيلة.
{وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} أي قرنَّاهم بهنّ.
قال يونس بن حبيب: تقول العرب زوجته امرأة وتزوّجت امرأة؛ وليس من كلام العرب تزوّجت بامرأة.
قال: وقول الله عز وجل: {وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} أي قرنَّاهم بهنّ؛ من قول الله تعالى: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] أي وقرناءهم.
وقال الفرّاء: تزوّجت بامرأة لغة في أزد شنوءة.
وقد مضى القول في معنى الحور العين.
قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم} قرأ العامة {واتبعتهم} بوصل الألف وتشديد التاء وفتح العين وإسكان التاء.
وقرأ أبو عمرو {وَأَتْبَعْنَاهُمْ} بقطع الألف وإسكان التاء والعين ونون؛ اعتبارا بقوله: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ}؛ ليكون الكلام على نسق واحد.
فأما قوله: {ذُرِّيَّتُهُم} الأولى فقرأها بالجمع ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب ورواها عن نافع إلا أن أبا عمرو كسر التاء على المفعول وضم باقيهم.
وقرأ الباقون {ذُرِّيَّتُهُم} على التوحيد وضم التاء وهو المشهور عن نافع.
فأما الثانية فقرأها نافع وابن عامر وأبو عمرو ويعقوب بكسر التاء على الجمع.
الباقون {ذُرِّيَّتَهُمْ} على التوحيد وفتح التاء.
واختلف في معناه؛ فقيل عن ابن عباس أربع روايات: الأولى أنه قال: إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كانوا دونه في العمل لتقَرَّ بهم عينه، وتلا هذه الآية.
ورواه مرفوعًا النحاس في (الناسخ والمنسوخ) له عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإن كان لم يبلغها بعمله لتقرَّ بهم عينه» ثم قرأ {والذين ءامنواوأتبعناهم ذُرِّيَّاتِهِم بإيمان} الآية.
قال أبو جعفر: فصار الحديث مرفوعًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وكذا يجب أن يكون؛ لأن ابن عباس لا يقول هذا إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه إخبار عن الله عز وجل بما يفعله وبمعنى أنه أنزلها جل ثناؤه.
الزمخشري: فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم.
وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: إن الله ليلحِق بالمؤمن ذرّيته الصّغار الذين لم يبلغوا الإيمان؛ قاله المهدوي.
والذرية تقع على الصغار والكبار، فإن جعلت الذرية ها هنا للصغار كان قوله تعالى: {بِإِيمَانٍ} في موضع الحال من المفعولين، وكان التقدير {بِإِيمَانٍ} من الآباء.
وإن جعلت الذرية للكبار كان قوله: {بِإِيمَانٍ} حالًا من الفاعلين.
القول الثالث عن ابن عباس: أن المراد بالذين آمنوا المهاجرون والأنصار والذرية التابعون.
وفي رواية عنه: إن كان الآباء أرفع درجة رفع الله الأبناء إلى الآباء، وإن كان الأبناء أرفع درجة رفع الله الآباء إلى الأبناء؛ فالآباء داخلون في اسم الذريّة؛ كقوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الفلك المشحون} [يس: 41].
وعن ابن عباس أيضًا يرفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده فيقال لهم إنهم لم يدركوا ما أدركت فيقول يا ربّ إني عملت لي ولهم فيؤمر بإلحاقهم به».
وقالت خديجة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين لي ماتا في الجاهلية فقال لي: «هما في النار» فلما رأى الكراهية في وجهي قال: «لو رأيتِ مكانهما لأبغضتِهما» قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال: «في الجنة» ثم قال «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة والمشركين وأولادهم في النار» ثم قرأ: {والذين آمَنُواْ واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} الآية.
{وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} أي ما نقصنا الأبناء من ثواب أعمالهم لقصر أعمارهم، وما نقصنا الآباء من ثواب أعمالهم شيئًا بإلحاق الذريات بهم.
والهاء والميم راجعان إلى قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ}.
وقال ابن زيد: المعنى {واتبعتهم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} ألحقنا بالذّرية أبناءهم الصغار الذين لم يبلغوا العمل؛ فالهاء والميم على هذا القول للذرّية.
وقرأ ابن كثير {وَمَا أَلِتْنَاهُمْ} بكسر اللام.
وفتح الباقون.
وعن أبي هريرة {آلَتْنَاهُمْ} بالمدّ؛ قال ابن الأعرابي: أَلَتَه يألِته أَلْتًا، وآلَته يُؤْلته إِيلاَتًا، ولاَتَه يَلِيته لَيْتًا كلها إذا نَقَصه.
وفي الصحاح: ولاَتَه عن وجهه يَلُوته ويَليته أي حبسه عن وجهه وصرفه، وكذلك ألاَته عن وجهه فَعَل وأَفْعَل بمعنى، ويقال أيضًا: ما أَلاَته من عمله شيئًا أي ما نَقَصه مثل أَلَته وقد مضى بـ(الحجرات).